قبل أربع سنوات كان يوشك على إنهاء المرحلة الثانوية من الدراسة وذلك قبل أن يباغته مرض نادر أدخله في دوّامة من اليأس والقنوت فأعرض عن الحياة وولى وجهه شطر الموت. إنّه شهاب بايحي، شاب تونسي وأصيب بمرض الأبطن، غير المعروف لدى عموم الناس، غير أنّ حبه لرياضة كمال الأجسام أحياه من جديد، حيث ينشط شهاب اليوم، وهو ابن 23 ربيعًا، تحت لواء الجامعة التونسية لكمال الأجسام، ويرنو للتألق نحو العالمية.
كان شهاب حديث العهد بممارسة رياضة كمال الأجسام المفضلة لديه، حينما علم بإصابته بمرض الأبطن، والذي يُعرف كذلك بمرض “السيلياك” أو بالدّاء “الزلّاقي”، وهو ما أقعده عن مزاولة دراسته ذلك أن هذا المرض هو من بين الأمراض المزمنة التي ترافق المصاب بها لسنوات. حيث عانى بسببه شهاب، وفق ما رواه لنا في حديثه لـ”ألترا تونس”، من عدم قابلية هضم مادة “الغلوتين” الموجودة في القمح والمواد المستخرجة منه نتيجة الحساسية الحادة لهذه المادة التي تؤدّي إلى التهاب بطانة المعي الدقيق لدى المريض
بذلك تخلّى شهاب، في أوّل مصافحة مع المرض، عن حلمه في أن يصبح صاحب جسد مفتول، حيث غادر قاعة الرياضة التي يزاول بها تمارينه، حيث أنّ الراتب الشهري الذي تتقاضاه والدته التي تنفق على العائلة لم يعد كافيًا لغذائه الخاص ولثمن الاشتراك في نادي الريّاضة.
ولكن “من الحب ما قتل”، حيث ينطبق هذا المثل على الفتى الذي ألم به المرض في بداية مشواره، طموحه وحلمه. فبسبب عجزه عن مواصلة المسيرة نحو الاحتراف في رياضة كمال الأجسام، قرر شهاب في لحظة يأس أن يتناول الأطعمة التي تحتوي على مادة الـ” غلوتين”، وهو ما استتبع تبعات خطيرة. حالة من القيئ المستمر، ووزن ضئيل، وتساقط الشعر وتشنجات عضلية إلى جانب شعور مزمن بالتعب والإرهاق، هكذا وصف لنا شهاب حالته بعد أن أقدم على تصرّف كان من الممكن أن يؤدي لهلاك.
وبإصراره وحبّه لرياضة كمال الأجسام حتى بلغ وزنه 41 كيلوغرامًا، عاد شهاب إلى الحياة من جديد، حيث تدخّل مدربه بقاعة الرياضة التي ارتادها لفترة محدودة، وأقنعه بأنه الوحيد القادر على تحقيق حلمه، وذلك وسط إلحاح من عائلته. فعاد شهاب إلى حضن رياضة كمال الأجسام مقبلًا على الحياة بفضل تمتّعه بالعزيمة والإرادة إلى جانب تضحيات والدته التي حرصت على تأمين الدواء الناجع لحالة ابنها المتمثل في اتباع حمية غذائية تغيب عنها كل الأطعمة التي تحتوي على مادة الـ” الغلوتين” المضرّة بصحته.
ورغم مصادفته لعديد المشاكل على غرار ارتفاع أسعار المنتجات الخالية من “الغلوتين”، وكذا عدم قدرته على تأمينها أحيانًا، ترسّخ حب شهاب بايحي للرّياضة ولم يتخلّ عن حلمه، في أن يحترف رياضة كمال الأجسام مواظبًا على التمارين حتى بلغ وزنه اليوم 71 كيلوغرامًا.
بذلك كانت ثلاث سنوات ونصف من ممارسة كمال الأجسام كفيلة بأن تجعله شهاب يتجاوز حالة اليأس التي عاشها، ويقاوم الظروف المادية والصحية الصعبة من أجل أن يحقّق حلمه بأن يصبح ممرنّا في رياضة كمال الأجسام. حيث مكّن حبّ شهاب للرّياضة المفضّلة لديه من أن يتحدّى مرضه النادر، وأن يشارك في البطولات الوطنية لرياضة كمال الأجسام منذ سنة 2016، وهو ما مكّنه أن يتحوّز على مراتب متقدمة، إذ حلّ في المرتبة الرابعة في بطولة السنة الماضية.
تغلّب شهاب اليوم على نفسه، ومضى قدمًا نحو حلم لازمه حتى في لحظات الضعف، حلم بدأ يتحقّق شيئًا فشيئًا حينما أعاد له هيبته وسط أترابه في الحي الذي كان يسخرون من حجمه الضئيل ومن هيئته التي خلفها المرض، ولكنه يناشد اليوم السلطات التونسية أن تدعمه ولو قليلاً ليصبح حلمه حقيقة.